عواقب الطاعة الدنيوية والأخروية

٢٥‏/٣‏/٢٠١٧، ٣:٢٦:٤٦ م

أعرف رجلاً تصدق بـ١٠٠٠ ريال ولم يحصل على عشرة أضعافها حتى الآن. وآخر غضّ طرفه عن حسناء ولم يعثر على زوجة تضاهيها. وثالث برّ بوالدته براً عظيماً ولم يصبح ثرياً. ورابع مواظب على الصلاة ولم يجد وظيفة، وخامس ترك وظيفته المحرمة وواجه صعوبات مالية.ربما لا أعرف كل ذلك حرفياً، ولكنه موجود في الواقع بالضرورة، وما يذكر من القصص خلاف ذلك هي أقرب للاستثناء.

يقع كثيراً في الأزمنة الأخيرة على ألسنة الوعاظ وبعض الدعاة الحث على الطاعة والتحذير من المعصية بذكر المردود المادي والمحسوس من عواقب الالتزام أو الانحراف، ولابد للناظر حيال ذلك من تأمل ملاحظتين:

١- يقول ابن تيمية قدس الله روحه: (إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور)، علّق ابن القيم:

(يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا، من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة انشراح، وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك؛ فعمله مدخول).

ومفاد هذا:

- أن للطاعة ثواباً دنيوياً.

- أن هذا الثواب روحي يشعر به العامل في قلبه بالذوق الخاص.

ويدل لذلك قوله تعالى:"والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر" وقد نزلت هذه الآية أصالة في الصحابة رضوان الله عليهم، ومعلوم أن منهم من قتل، ومنهم من مات فقيراً، فدل ذلك على أن الحسنة في الدنيا ليست في النعيم والثراء وما شابهه، بل هي الرضا والطمأنينة وحلاوة الإيمان، ولهذا الاستدلال نظائر عديدة.

٢- أن التقرير السابق لا يعني النفي المطلق للمردود المادي، أو للنفع الدنيوي من الطاعات، أو للفساد والنقص الدنيوي المتولد عن الخطايا، فهذا ثابت في الوحي بلا ريب، كما قال تعالى:"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، وجاء في الآثار أن الزنا مجلبة للفقر، وأن الصدقة بركة للمال…الخ. وهكذا فإن خالق النفوس عالم بضعفها، وشدة طمعها بالعاجل، وأن بعض الخير العاجل قد يصلحها، فربما فتح لعبد من لعاعة الدنيا عوناً له على استدامة الطاعة، كما شرع للرسول ﷺ إعطاء المؤلفة قلوبهم من المال ما يقوي قلوبهم على الدخول تحت حكم الشريعة، بيد أن الزلل في ذلك يكون في التأثر بظروف الزمان وسيطرة المزاج الرأسمالي، وحصر -أو المبالغة في- التركيز على الثواب الدنيوي المحض، مما يخلّ بأصل التعبد، القائم على ركني الرغبة والرهبة فيما عند الله، ويكرس التعلق بالدنيا، ويضعف اليقين بالثواب الأخروي.

وسر المسألة الغفلة عن أن ما يجده المؤمن المخلص القائم بأمر الله من الحلاوة في روحه، وتمام الرضا، واليقين، وامتلاء قلبه بحب الله وإجلاله، خير من كل نعيم يذكره الناس، وخير له من كل عوض يفنى، وهذه المقامات القلبية الشاهقة لا تكاد توصف،
ولا يعرفها إلا من ذاقها.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ميزان الصلاة

سيأتي أبي

وصايا للمعلمين