دعوة أم الصغار : عبد القادر الجبرتي

أخبرنى صديقى صاحب مطعم بإحدى ولايات السودان الشرقية أنه كان يستعد لتقديم وجبة العشاء فى احدى ليالى الخريف. وبعد تجهيز الوجبة وانتظار الزبائن. بدأت الأمطار بالهطول واظلمت السماء وانقطعت الكهرباء وبدأ أهل السوق فى المغادرة وأصبح الظلام دامسا. فقمنا بإشعال الفوانيس واتفقنا على المغادرة واغلاق المطعم بعد هدوء الأحوال واحتسبنا الطعام المعد كخسائر، إذ لا توجد مبردات كافية، ناهيك عن انقطاع الكهرباء.وأثناء انشغالنا بالحديث لاحظت سواداً يتحرك فى ظل الفوانيس فى احدى الفرندات المقابلة لمطعمي.

أخذت الفانوس وعصا بظنى أنه لص يريد كسر أحد الدكاكين. اقتربت من السواد وعلى ضوء الفانوس الضعيف، تبينت امراة وطفلين، غاية فى الضعف والخور. فسألتها إن كانت تحتاج شىء. فسألت الطعام لأولادها. اطعمت المرأة من خير ما عندي وأعطيتها ما تيسر من المال. فبكت المراة بكاءاً لفت نظري.

فسألتها عن سبب بكائها. فأخبرتنى أن زوجها توفي عنها وترك لها الأطفال، وأن هذا يومها الثالث من غير طعام وما تجده توفره للصغار. أعطيتها ظهري فأنا فى السوق اسمع يومياً مئات القصص من هذه الشاكلة ولا أحفل بها كثيرا. تمتمت الأم وأنا أهرب من الأمطار: الله يوسع عليك الليلة زي ما وسعت على أولادي. قلت: آمين. 

ومن هذا الذي يقنط من رحمة الله. وإن أغلقت أبواب الأسباب؛ فالسوق اقفل أو بالكاد والمطر منهمر. والبروق عاصفة والساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل. وأنا فى تأملاتي وحساب خسائري وإذا بباص سفري؛ يقف مباشرة أمام مطعمي ولا أدري من أين جاء ولم أسمع صوت المحرك. و قائد الباص السفري يسألني ألديكم طعام. فأجبت بنعم. فقام بإنزال أكثر من أربعين مسافراً تبدو عليهم آثار السفر. فقمنا ببيع كل الطعام، حتى أننا قمنا بطبخ جزء من الطعام المعد ليوم غد. وبعنا حتى بقايا الخبز الجاف بالشوربة.

يقول صاحبي وأنا اقوم بحساب أرباحي. ومعي عمالي. ونحن متعجبون من هذا الرزق العجيب. قال احد عمالى: أيش عملت من عمل صالح اليوم؟ 

انتفضت كالملدوغ، و أنا اتذكر دعوة أم الصغار. ربي يوسع عليك الليلة. وخرجت تحت المطر باحثاً عن الأم فى أنحاء السوق وبعثت بعمالي إلى الأرجاء. ولم نجدها. أين أنتِ يا أم الصغار.

ابحث أنت عن أم صغار تطعمهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ميزان الصلاة

سيأتي أبي

وصايا للمعلمين